حماية الأقليّات

Statements

حماية الأقليّات

بيان خطّي مقدّم من الجامعة البهائية العالمية لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دورتها الخامسة والخمسين تحت البند (16) من جدول الأعمال المقترح بعنوان: تقرير اللجنة الفرعية لمنع التّمييز وحماية الأقليّات. وزّع في وثيقة الأمم المتّحدة رقم E/CN. 4/1999/NGO/14.

جنيف، سويسرا—
۲۲ مارس/ آذار – ۳۰ أبريل/نيسان ۱۹۹۹

نظرًا لأنّ الصّراعات الداخلية في الدول في أنحاء العالم آخذة في الانتشار على نحو متزايد، فإنّ المجتمع الدولي يعي تلك الحاجة الماسّة للتّصدّي لمسألة الأقليّات. ولأنه يوجد في كل دولة أقلية من نوع ما، فإنّ الحكومات تدرك بأنّ احتمال حدوث وضع من عدم الاستقرار قد يصبح أكثر انتشارًا ممّا سبق تصوّره. لذا من المناسب جدًا وضع مسألة الأقليات على جدول أعمال الأمم المتحدة في هذا الوقت. إنّ إعلان حقوق الأفراد في الانتماء إلى أقليات قوميّة أو إثنيّة أو دينيّة أو لغوية، الذي تم تبنيّه قبل أكثر من خمس سنوات، قد ساهم بشكل كبير في هذا النقاش عن طريق صياغة معايير دوليّة. فالإعلان لا ينصّ على عدم جواز أن تكون الأقلّيات هدفًا للتّمييز فحسب، بل ويجب، في واقع الأمر، تشجيع التنوّع الثّقافي واللّغوي والدّيني في أي بلد والعمل على حمايته. والآن، وقد تمّ وضع المعيار وصياغته، فإنّ الخطوة التّالية هي التّطبيق. فيسر الجامعة البهائيّة العالميّة ملاحظة أنّ مجموعة العمل الخاصة بالأقليّات، التي أسّستها اللجنة الفرعيّة لمنع التّمييز وحماية الأقليّات، تضع قيد التّنفيذ وبالتّدريج وسائل ترمي إلى مراجعة لتطبيق الإعلان، والتّصدّي لما يمكن أن يبرز جرّاء تطبيقه.

إنّ المسؤوليّة في ضمان المساواة في الحقوق للأقليات، من وجهة نظر الجامعة البهائية العالمية، إنّما تقع على عاتق الأقليّة والأغلبيّة على حدّ سواء. وتحقيقًا للعدالة، فإن فالمجموعات الحاكمة - أغلبية كانت أم أقلية - تتحمّل مسؤوليّة خاصّة في أن تُجري تعديلات اجتماعيّة وسياسيّة من شأنها أن تمكّن مكوّنات مجتمعاتهم الأخرى من ممارسة حقوقهم المشتركة والأساسيّة لأقصى حد ممكن. ومن ناحية أخرى، فإنّ على باقي الجماعات خارج السلطة، مسؤوليّة أخلاقيّة تدعوها لأن تتجاوب بكل شرف وأمانة مع تلك المجهودات المخلصة المبذولة من المجموعة الحاكمة، وأن تعي تمامًا مسؤوليّاتها تجاه مجتمعها الكبير، والتّسليم لها، والوفاء بمتطلباتها. وحيثما تبرز نقاط خلاف، يتعيّن على الأغلبيّة والأقليّة كليهما معًا النّظر إليها في سياق عالم يعتمد على بعضه البعض على نحو متزايد، عالم تتحقّق فيه منفعة الجزء بضمان مصالح الكلّ، وحيث يستحيل للكلّ أن يزدهر إذا ما تعرّضت الأجزاء للظّلم أو الحرمان.

يجدر بالحكومات أن تأخذ زمام المبادرة في إثبات عزمها وتصميمها على منح الأقليات ما لباقي المواطنين من حقوق. يمكن تحقيق ذلك بتحديد الحالات التي تُحرم فيها أقليات معينة من حقوقها المدنية، ومن ثمّ سن التّشريعات التي تعالج تلك الحالات. إنّ تشريعًا كهذا يعدّ خطوة هامة، بيد أنّه لوحده، وبمعزل عن الاعتبارت الأخرى، لن يقضي على التّمييز ضد الأقليات. فالمواقف والسلوكيات يجب أن تتغير، والمجموعات يجب أن تتعلّم النظر إلى بعضها البعض بطريقة مختلفة جوهريًا؛ على أنهم شركاء، وزملاء في العمل، وجديرون بالاحترام والمعاملة بالمِثْل. على الأغلبية أن تتخلّص من عقدة الاستحقاق المزعومة، وعلى الأقلية التّحرّر في النهاية من الشّعور بالعجز وعقدة الشكّ والرّيبة نتيجة التّمييز الذي طال أمده.

يمكن للتّشريع، في واقع الأمر، أن يسهّل عمليات التّغيير في المواقف والسلوكيات بوضع قانون للعقوبات بحق مرتكبي تصرفات كانت في الماضي تعتبر مقبولة. فبحَفْز النّاس على تغيير طريقة سلوكهم، يمكن للتّشريع أن يفعّل عملية التّدقيق في المعتقدات التي بُني عليها السلوك القديم والنّظر في المبادئ التي تدعم التّصرف الجديد. إلاّ أنّ تغيير ما في القلب والفكر معًا هو الكفيل وحده بالقضاء نهائيًا على نزعة الكراهية تجاه أولئك الذين نراهم مختلفين عنا. لا يمكن لتغيير جذري كهذا أن يكون فعّالاً إلاّ بتأثير المبادئ الروحانيّة والأخلاقيّة. إنّ الأساس الذي يُبنى عليه السّلام والوئام والاستقرار في العالم ما هو إلا مبدأ وحدة الجنس البشري. فتجاهل وحدة العائلة الإنسانيّة يجعل المرء معرّضًا لنزعات المخاوف والكراهية غير المنطقيّة التي يمكن أن تثيرها الأكاذيب وأنصاف الحقائق والتّحريف والاتّهامات التحّريضية التي يستخدمها قادة تجرّدوا من المبادئ الخلقية في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة.

بيد أنّ الوحدة لا تعني التّماثل؛ فوحدة العائلة الإنسانيّة أنما تستوجب احترام التّنوّع والتّعدّد داخل تلك العائلة. فمن أجل السّير قُدُمًا نحو عالم يتّسم بالوحدة والاتحاد في التّنوّع والتّعدّد، لا بدّ من تعليم الأطفال حتى يدركوا أن التنوّع مصدر إثراء وليس فيه أي تهديد. وعليه، فإنّ الجامعة البهائية العالمية تشيد بمجموعة العمل لاهتمامها بترويج تعليم متعدّد الثقافات وما بين الثقافات. إنّ فهم التّنوّع الثقافي على أنه تعبير متنوّع لإنسانيتنا المشتركة، كما هي نظرتنا إليه، هو أحد المفاتيح لحل سلمي ودائم للنزاعات المتعلّقة بالأقليات. يجب أن يكون هدف المناهج المدرسيّة نبذ العداوات القديمة المبنية على اختلافات إثنية ولغوية ودينية، وذلك بتضمينها معلومات عن شتّى الثقافات الموجودة في كل دولة بطريقة تلقي الضوء على الآمال المشتركة التي تجمعنا معًا كأعضاء في الأسرة الإنسانية. فعندما يتعلّم الأطفال إدراك الخصال الإنسانيّة الأساسيّة الكامنة في تشكيلة واسعة من النّماذج الثقافيّة، سيكون بمقدورهم اعتبار كلّ ثقافة رافدًا يُسهم في إثراء المجتمع ككلّ، ويصبحون أكثر حصانة ضد مساعي أولئك الذين يؤلِّبون مجموعة ضدّ أخرى لأغراض سياسيّة.

إنّ الجامعة البهائيّة العالميّة على قناعة بأنّه، إذا ما أُريد لجهود الأمم المتحدة والحكومات أن تؤتي أُكُلَها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فمن الواجب إذن تسخير القوّة المشتركة النّاجمة عن تأثيرات القوى السياسيّة والقانونيّة والرّوحانية والأخلاقيّة في هذا السبيل. وتبعًا لدورها في هذا المجال، تحاول الجامعة البهائية العالمية جاهدة في مواجهة التّحدي المتمثّل في رعاية الأقليات المنتمين إليها في جميع أرجاء العالم. فالجامعات البهائيّة مُلزَمة وفق تعاليم دينهم ليس بالتّسامح فحسب، بل أيضًا برعاية وتشجيع وحماية كلّ أقلية بين أفرادها جاءت من أيّ خلفيّة دينية، أو عرق، أو طبقة، أو أمّة. لهذا السّبب، تذكر الكتابات البهائيّة المقدّسة بأنّه إذا كان لا بدّ من السماح بأيّ تمييز مهما كان، فيجب أن يكون في صالح الأقليّة. إن الجامعات البهائيّة في كلّ أرجاء العالم، توجّهها المبادئ الموحِّدة لنظام عالميّ أتى به حضرة بهاءالله قبل أكثر من قرن ونيّف، إنّما تسعى إلى دمج أناس من كافّة الخلفيّات العرقيّة والقوميّة والدّينيّة في جامعة واحدة– جامعة تتّصف بالاتّحاد والتّنوّع في آن معًا.

ستواصل الجامعة البهائيّة العالميّة تعاونها مع مجموعة العمل الخاصّة بالأقليات، وعلى استعداد لتقديم خبرتها في تأسيس جامعات متحدّة يسودها احترام التّنوّع والتعدُّد.

Protection of Minorities

وثيقة الجامعة البهائيّة العالميّة # 99-0322

وثيقة الأمم المتّحدة #  E/CN. 4/1999/NGO/14