حقوق الانسان - إن التفرقة العنصرية مرض لا يصيب البشرة بل يصيب العقل البشري

Statements

حقوق الانسان - إن التفرقة العنصرية مرض لا يصيب البشرة بل يصيب العقل البشري

اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية—
٢١ آذار/مارس ٢٠٠١

قُدم هذا البيان حسب طلب ماري روبنسون، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وباوا جين، الأمين العام لمؤتمر القمة الألفية للسلام العالمي للزعماء الدينيين والروحيين وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، ٢١ آذار/مارس ٢٠٠١.

إن التقاء شعوب العالم في علاقة متناغمة ومبتكرة لهي حاجة ماسة في الوقت الحاضر. ففي أعقاب التقدم الحاصل في ميدان المعرفة الإنسانية التي عمقت روابط الاعتماد المتبادل وقلّصت هذا الكوكب، أضحت المهمة الأساسية الملقاة على عاتق جميع سكانها هو إرساء أسس مجتمع عالمي يمكنه أن يعكس وحدانية الطبيعة البشرية. وخلق مثل هذه الثقافة العالمية للتعاون والتوفبق سيتطلب العودة إلى الوعي الروحي وتحمل المسؤولية.

منذ أكثر من قرن من الزمان، أعلن حضرة بهاءالله أن البشرية تدخل حقبة جديدة من تاريخها، سرعان ما تَفرِضُ فيها عملياتُ تسريع تحقيق الوحدة والاتحاد، الاعترافَ بأن البشرية شعب واحد ذا مصير مشترك. وفي مناشدته للإنسانية لقبول الحقيقة الأساسية لوحدتها، ولتنحي جانباً حواجز العرق والدين والجنسية، التي كانت من الأسباب الرئيسة للصراع على مر التاريخ، حثها حضرة بهاءالله بأن: "... لا ينظر بعضكم إلى البعض كنظرة غريب إلى غريب، كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد". وبيّن أنه لا إمكانية هناك لتحقيق السلام العالمي حتى يتم قبول مبدأ الوحدة الأساسي ووضعه موضع التطبيق العملي في تنظيم المجتمع. وأضاف: "لا يمكن تحقيق إصلاح العالم واستتباب أمنه واطمئنانه إلا بعد ترسيخ دعائم الاتحاد والاتفاق" وكذلك: "عاملوا بعضكم البعض بكمال المحبة والاتحاد والمودة والاتفاق. إن قوة نور الاتفاق تستطيع أن تضيء وتنير كل الآفاق".

إن الوحدة التي يجب أن تدعّم أسس نظام اجتماعي قائم على السلام والعدل، هي الوحدة التي تحتضن مبدأ التنوع والتعدد وتكرمه، فالوحدة والتنوع والتعدد أمران متكاملان لا ينفصلان. وكون الوعي الإنساني يعمل بالضرورة من خلال التنوع اللامتناهي للعقول والدوافع الفردية، فإن ذلك لا ينتقص بأي حال من الأحوال من وحدته الأساسية. في الواقع، إن التنوع والتعدد المتأصل هو بالضبط ما يميّز الوحدة عن التجانس أو التماثل. وبالتالي، فإن قبول مفهوم الوحدة والاتحاد في التنوع والتعدد، ينطوي على تنمية وعي عالمي، والشعور بالمواطنة العالمية، ومحبة البشرية جمعاء. وهذا المفهوم يدفع كلّ فرد ليدرك بأنه طالما أن جسم البشرية واحد لا يتجزّأ، فإن كلّ عضو من الجنس البشري هو مولود في العالم ما هو إلا أمانة لدى البشرية بأسرها. كما يوحي هذا المفهوم أيضاً بأنه إذا كان لمجتمع عالمي مسالم أن يبرز إلى الوجود فلا بدّ من السماح لأساليب التعبير الثقافية المتطورة والمتنوعة للإنسانية أن تنمو وتزدهر، بالإضافة إلى تفاعل كلّ منها مع الآخر في أنماط الحضارة دائمة التغير. "فالتنوع والتعدد في العائلة الإنسانية" كما تؤكد الكتابات البهائية، "يجب أن يكون سبب المحبة والألفة، كما هو الحال في النوتات الموسيقية المختلفة المتعددة تمتزج معاً لتنتج نغماً متكاملاً".

انطلاقاً من هذا المبدأ الأساسي القائل بوحدة شعوب الأرض، اشتُقت جميع المفاهيم المتعلّقة بحرية الإنسان ورفاهه. فإذا كان الجنس البشري واحداً، فيجب نبذ كل فكرة توحي بأن جنساً معيناً أو جماعة عرقية أو قومية هي بطريقة أو بأخرى تتفوق على بقية البشر. يجب على المجتمع إعادة تنظيم حياته بحيث يطبق عملياً مبدأ المساواة على جميع أفراده بغض النظر عن اللون أو العقيدة أو الجنس. ويجب إتاحة الفرصة للجميع ليدركوا قدراتهم الفطرية وبذلك يساهمون في تأسيس "حضارة دائمة التقدم".

لقد انتهكت شرور العنصرية الكرامة الإنسانية لحقبة من التاريخ طويلة، فأعاق تأثيرها تطوّر أولئك الذين رزحوا تحت نيرها، وأفسدت أخلاق ممارسيها، وأنزلت الآفات بعملية تقدم البشرية. وسيتطلب التغلب على آثارها المدمرة جهوداً واعية مدروسة ومستمرة. وفي الواقع، لا شيء إلا الحبّ الحقيقي والصبر اللامتناهي والتواضع الصادق والتأمل الورع سينجح في محو وصمته الخبيثة من الشؤون الإنسانية. ينصحنا حضرة بهاءالله بأن: "أغمضوا أعينكم عن الاختلافات الجنسية ورحبوا بالجميع في نور الوحدة والاتحاد."

من الواضح، أن تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الشرائح المختلفة للجنس البشري لا يمكن أن يكون تمريناً سلبياً أو ممارسة خطابية. فيجب التصدي مباشرة لجميع أشكال الإقليمية والانعزالية والتعصبات. إن تنفيذ التدابير القانونية المناسبة لحفظ الحقوق والفرص للجميع، واعتماد المبادرات التعليمية التي تعزز التضامن الإنساني والمواطنة العالمية، ينبغي أن تكون من بين الخطوات العملية الأولى التي تتخذها جميع الدول.

إن القيادة الأخلاقية التي تقدمها المجتمعات الدينية يجب أن تكون بلا شك عنصراً أساسياً لأي مجهود كهذا. ولضمان وجود دور بنّاء للدين، يتوجب على أتباع جميع الأديان الاعتراف بالنزاع والمعاناة اللذين سببهما أولئك الذين سخّروا رموز الدين ووسائطه لأغراضهم وأهوائهم الأنانية. إن التعصبات والنزاعات تسمم ينابيع التسامح، وتقدم تعابير محرّفة عن القيم الحقيقية للدين. والتحدي الذي يواجه قادة الأديان كافة يحملهم على أن يتمعنوا في محنة الإنسانية بقلوب مليئة حناناً وبرغبة في توخي الحقيقة، وأن يسألوا أنفسهم متذللين أمام الخالق العلي القدير ما إذا كان بإمكانهم دفن خلافاتهم الفقهية بروح عالية من التسامح ليستطيعوا العمل معاً في سبيل تقدم العدالة الاجتماعية والسلام. ففي نصيحته "للتقيد بالتسامح والاستقامة والصلاح"، يؤكد حضرة بهاءالله أنه من الممكن أن نؤمن بالله ونكون متسامحين في آن معاً.

إن طريق الوحدة والوفاق هو الطريق الوحيد المتاح أمام العائلة الإنسانية. فرؤيا عالم يضم كافة الأمم والأعراق والعقائد والطبقات متحدة اتحاداً وثيقاً دائماً ليست رؤيا مثالية من نسج الخيال بل ضرورة حتمية وحيوية. وينبهنا حضرة بهاءالله بقوله: "نوروا القلوب وطهروها من أشواك الضغينة والبغضاء، كلكم أهل عالم واحد وخلقتم من كلمة واحدة، فنعم حال نفس عاشرت عموم الأنام بتمام المحبة".

النص الانجليزي: