التنمية والرفاه الاجتماعي

Statements

التنمية والرفاه الاجتماعي

بيان مقدم إلى المؤتمر الوزاري الثالث لآسيا و الباسيفيك حول التنمية والرفاه الاجتماعي, تحت رعاية المفوضية الاقتصادية والاجتماعية بآسيا والباسيفيك (ESCAP)

بانكوك، تايلاند—
٩-١٩ تشرين أول/أكتوبر ١٩٨٥

إن الجامعة البهائية العالمية تقدر كل التقدير هذه الفرصة للمشاركة بآرائها في المؤتمر الوزاري الثالث لآسيا والباسيفيك حول التنمية والرفاه الاجتماعي. وهو الاجتماع الذى يقدم جدول الأعمال المُوَسع والذي يحمل بين طياته تحديات تمس العديد من المجالات ذات الاهتمام الكبير بالنسبة لنا. نوّد أن نشير خاصة إلى البند المتعلق بـ "التأثيرات الاجتماعية للتنمية المعاصرة" و ما يتعلق به من مسائل حيوية مثل "توزيع (الثروات) و تخفيف حدّة الفقر" و "مخاوف مجموعات شعبية معينة".

ربما يكون من المفيد أن نتلمس بعض الأهداف والمعتقدات التي لها صلة بموضوع التنمية والرفاه الاجتماعي لنتمكن من تقديم إطار لوجهة نظرنا. تتبنى التعاليم البهائية معتقد الوحدة الجوهرية للبشرية والحاجة لإظهار هذه الحقيقة من خلال أفعال وأفكار كافة البشر، بناء على التزام روحاني مشترك. على هذا الأساس يرى البهائيون أن الهدف الأساسي من الناحية الفردية والجماعية هو المضي قُدُمًا بحضارة دائمة التقدم والتطور. وتعمل الجامعات البهائية التي تتواجد بأعداد كبيرة في آسيا والباسيفيك على تحقيق مبادئ مثل المساواة بين الرجل والمرأة والتعليم الإجباري والقضاء على جميع أنواع التعصبات.

تهدف حياة الجامعة البهائية إلى توفير بيئة تدعم كل من التطوير الداخلي والخارجي وذلك من خلال تحفيز الناس من كافة الخلفيات على تطبيق مثل هذه المبادئ الروحانية والاجتماعية. وبالتالي، فإن المشاركة العامة هي عنصر أصيل ويمكن توضيحها بالعديد من الأمثلة عن الجهود على مستوى القاعدة في مجالات محو الأمية، الزراعة، الصحة، تعليم الأطفال، تقدم المرأة، مشاريع الشباب، وما شابهها. وقد أثبتت تجربتنا أن التنمية الاجتماعية تنشأ تلقائيًا حيثما يتشارك مجموعة من الناس بحس قوي بالهدف، مُدَعم بنظام قيم إنسانية مشترك مبني على الإيمان بوحدة الجنس البشري والطاقات والإمكانات الهائلة لجهود الإنسانية.

من الأمور الهامة التي يناقشها المؤتمر هو "التوزيع، والتخفيف من حدّة الفقر". لقد ساهم نظام التوزيع للخدمات الاجتماعية مساهمة كبيرة جدًا في العديد من الدول في إحراز تقدم هائل في مجالات مثل التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأساسية. إلا أن مساهمته في تخفيض مستويات الفقر بشكل عام تحتاج إلى تطوير كبير. ونرى من وجهة النظر البهائية، أن التفاوت الهائل بين الغِنَى والفقر هو مصدر للمعاناة الحادة إضافة إلى أنه عامل من عوامل بقاء المجتمع الإنساني في حالة عدم استقرار، ولهذا فإن هناك حاجة ملحّة للحد من الغِنَى الفاحش والفقر المدقع لأسباب روحانية وأخلاقية واجتماعية، ويستدعي الحل توجه شامل يتضمن تلك الأبعاد من الواقع الإنساني. وإننا نؤمن بأن أول خطوة يجب أن تكون هي إيجاد فكر واتجاه عالمي جديد، عن طريق التعليم، يرفض من حيث المبدأ الفقر المدقع المُذِل، لتظهر إرادة البحث وتطبيق حلول عملية من قبل كافة الأطراف المعنية. ويجب أن يكون هذا الفكر والاتجاه مدعومًا بجهود ترمي إلى تحفيز مشاركة السكان المحليين والمنظمات على وضع صِيَغ للاحتياجات والاستفادة من الخدمات المقدمة على أساس الاعتماد على الذات.

تُثير مسألة "تأثيرات التنمية المعاصرة" اهتمامًا خاصًا لدى عدد من المجموعات المجتمعية صغيرة الحجم. ويُعزى ذلك إلى ضعف هذه المجموعات أمام الآثار السلبية للتغيير وإلى أدوارها الهامة في المجتمع، إذا ما توفر لها الدعم المناسب. بالرغم من أنه لن يكون بإمكاننا التحدث عن جميع هذه الآثار في هذه البيان، إلا أن اهتمامنا غير مقتصر أو محدود. تؤكد التعاليم البهائية على الحاجة إلى دعم وتشجيع خاص للأقليات، النساء والشباب والأطفال وبشكل عام الفئات الضعيفة والأقل حظاً من المجتمع. إن على المجتمع من كافة المستويات أن يقدم التقدير والإهتمام لهذه الجموع التي تمثل غالبية الفقراء، والنظر إلى وضعهم على قدر من المساواة، وبأنهم جديرون بمستوى معيشي كريم وبالحق في التطور والتقدم. وفي هذا الخصوص، هنالك أيضاً حاجة لتغيير الأفكار والمواقف ولجهود متشاركة من أجل تسهيل تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية.

إننا من خلال اهتمامنا بمجتمعات معيّنة من السكان، نود أن نحث المؤتمر على التركيز على أوضاع الأقليات العرقية والقبلية في المنطقة. هذه المجموعات التي عادة ما تكون معزولة لأسباب اجتماعية وثقافية ولغوية وجغرافية، تستحق اهتماماً خاصاً. إنهم، غالباً، أولئك الأقل قدرة على الاستفادة من التقدم الكبير في التنمية ومُعَرَّضون لآثارها السلبية مثل، بعض جوانب الهجرة من الريف إلى المدينة، والاندثار التدريجي لثقافتهم وتقاليدهم. ومن وجهة النظر البهائية " فإنه يجب على كل مجتمع منظم....أن يعتبر أن أول واجب عليه والذي لا مفرّ منه هو رعاية وتشجيع وحماية كل أقلية تنتمي إلى أي دين أو عِرق أو طبقة أو أمة في مجتمعهم". وبذلك، يجب أن يتمتع السكان الأصليون بالحق الأساسي في التطور وأن تتاح لهم الفرصة لذلك، وأن يعتزوا بهويتهم وثقافتهم ولغتهم. ولكي يتحقق ذلك فإنه من الضروري إتاحة المجال أمامهم بطريقة متساوية، وإذا ما لزم الأمر، أن تكون لهم الأولوية في الوصول إلى والاستفادة من الموارد المتوفرة بالمجتمع، وأن يكون نظام التوزيع متلائمًا مع تحقيق هذا الهدف.

إن الحاجة الملحة لدمج النساء بشكل كامل في عملية التنمية كقوة فاعلة في كافة مستويات المجتمع هو أمر ينادى به على نطاق واسع. لقد تم تحقيق بعض التقدم، ولكنه فى حاجة إلى التسريع وذلك بالتعليم والتغيير الواسع للأفكار والمواقف من قبل شرائح تمتد من صانعي السياسات والمخططين إلى الناس بشكل عام. وطبقًا لوجهة النظر البهائية، فإن النساء هنَّ المعلمات الأوائل للإنسانية بدورهن كأمهات، و لذلك يجب منح الأولوية للفتيات في الحصول على التعليم. وحيث أن فوائد المعرفة تنتشر بسرعة وقوة فعّالة في المجتمع من خلال الأمهات المتعلمات، يجب إيجاد هذا الحس بأولوية التعليم للنساء ليس فقط لدى العائلة ولكن يجب التفكير جديًا بإضافته في السياسة القومية. إن إنكار مساواة المرأة بالرجل يدفع الى تزايد الظلم ضد نصف سكان العالم، ويعزّز لدى الرجال عادات وأفكارًا ضارة يتم نقلها من العائلة إلى مكان العمل وإلى المجتمع على نطاقه الأوسع، وبذلك يخلق عائق على طريق التنمية السلمية والتقدمية. ولا يوجد أي أساس أخلاقي أو عملي أو حيوي يمكنه أن يبرر مثل هذا الإنكار والحرمان.

أما الأطفال فهم ليسوا فقط ضعفاء ولكنهم هم أيضًا في كثير من الأحيان الأقل حظًا من بين مجموعات السكان. وبما أن الأطفال هم واعدو مستقبل المجتمع، فيجب أن تتاح لهم أحقية الاستفادة من الموارد اللازمة لتطور الطفولة بشكل سليم.  ويمكن تقديم خدمة هامة في هذا السياق، ألا وهي التعليم، حيث أن الجهل هو ليس فقط عامل يساهم في حدوث الفقر المدقع، ولكنه أيضًا السبب الرئيس لانحطاط الناس وتدهور أوضاعهم وزيادة شدة التعصبات. يجب أن يشمل التعليم تدريبًا أكاديميًا واسعًا إلى جانب اكتساب المهارات التى تساعد كل فرد على كسب لقمة العيش. ولكن من الواضح أن التعليم الأكاديمي الحالي لا يستطيع بمفرده أن يُنقي المجتمع من الكراهية والتعصب والطمع والقمع. إن اكتساب وممارسة صفات روحانية مثل الرحمة والتسامح والأمانة والثقة وعدم الأنانية والعطف والحب، يجب أن يكون جزءاً من برامج التعليم لكي يتم تحقيق تقدم ورخاء اجتماعي دائمين.

وبالاختصار فإننا نرغب في إعادة التأكيد على الحاجة لتطوير واسع النطاق في الأفكار والمواقف والقيم التي تروج الشعور بالوحدة والاتحاد وبالمشاركة الشعبية وبإرادة أكيدة لتحقيق المساواة. إضافة إلى ذلك، فمن أجل الحصول على رعاية اجتماعية وتنمية اجتماعية مستدامتين فقد أصبح من الضرورة غرس مبدأ خدمة الآخرين. ومن وجهة النظر البهائية، تُعتبر هذه الخدمة أسمى تعبير للروح الإنسانية وهدف كبير جدًا للحياة. يوضح المقتطف التالي من الكتابات البهائية: "يتمثل شرف وامتياز الإنسان في أمر واحد، أن يكون مصدر خير اجتماعي بين سكان العالم... يجب علينا على الدوام أن نرسي دعائم جديدة لسعادة الإنسان، وأن نبتكر ونروج لوسائل جديدة تقودنا لتحقيق هذا الهدف. وسيحصل الإنسان على أقصى سعادة إذا اجتهد بأعلى مستوى من قدراته في ساحة العدل والمدنية."

 

الأصل الانجليزي: