قواعد إرشادية حول الفقر المدقع وحقوق الإنسان

Statements

قواعد إرشادية حول الفقر المدقع وحقوق الإنسان

ملاحظات الجامعة البهائية العالمية على القواعد الإرشادية حول الفقر المدقع وحقوق الإنسان التي قُدمت إلى مكتب المفوض السامي بالأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان

نيويورك—
١ سبتمبر ٢٠٠٧

ترحب الجامعة البهائية العالمية بفرصة تقديم ملاحظاتها بخصوص مسودة القواعد الإرشادية حول الفقر المدقع وحقوق الإنسان(۱) بالرجوع إلى قرار مجلس حقوق الإنسان رقم ٢/٢ حول "حقوق الإنسان والفقر المدقع".(۲) إننا نشيد بمجلس حقوق الإنسان لاتخاذه هذه الخطوة الهامة لمواجهة الفقر من منظور حقوق الإنسان – حيث تُربط جهود تخفيف حدّة الفقر بمسألة العدالة والواجب وليس الإحسان. وبهذه الطريقة تتبلور القاعدة الأخلاقية للجهود المبذولة في مجال تخفيف حدة الفقر، وتتضح القيم الباعثة على هذه الجهود كما نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي ضوء تطبيق العدالة كمبدأ منظم لنشاط الإنسان، تتقدم الجامعة البهائية العالمية بعرض ملاحظاتها على مسودة "المبادئ الإرشادية".

وإستجابة لدعوة الأمم المتحدة باشتراك من عاش ظروف الفقر أو من تأثر بها مباشرة، نظمت الجامعة البهائية العالمية حلقات نقاش في الجامعات البهائية في عشر دول(۳) على امتداد خمس قارات، وسوف تستمر في متابعة ما يرد من نتائج عن هذه المناقشات والتعلم منها. ويتضمن هذا البيان النتائج الواردة إلى الآن من جيانا وناميبيا والبرازيل.

تعريف الفقر

إن تعريف الفقر والعلاج المطلوب للقضاء عليه يعتمدان على افتراضات حول طبيعة الإنسان وهدف التنمية، أو بنظرة أشمل هدف الحضارة ذاتها. وفي حين عرضت الأمم المتحدة، خلال إعدادها للنقاط الأساسية لهذا المشروع، تعريفًا متعدد الأوجه للفقر (٤)، أضاف عليه المشاركون في حلقات النقاش هذين المفهومين: (أ) اعتبار الفقر مشكلة جميع البشر وليس فقط مشكلة الفقراء، (ب) الأهمية والدور الأساسي لوجود "هدف" و"مغزى" في حياة الإنسان. فإلى جانب مفهوم الحرمان من الموارد والفرص، تم وصف الفقر مبدئياً بتعابير غير مادية: بين الفقراء اقتصاديًا بدا الأمر "حالة ذهنية"، ودرجة من عدم إدراك الشخص لقدراته و"ماهية كرامته"، وحرمان من قدرة التأثير على وضعه الخاص، والافتقار إلى المعرفة، وعدم القدرة على المطالبة بحقوقه. وبخصوص هؤلاء القادرين اقتصادياً، أشار المشاركون إلى مفهوم "فقر الروح" وهو الجهل باحتياجات هؤلاء القاطنين بالجوار، وفقدان "القدرة على الشعور بالنقم والخجل" من "أحوال البؤس" و"الحرمان التام" المحيطة بهم. أما الذي يحيا حياة "الثراء" فلم يُعرّف فقط بمن يطور ظروفه الشخصية ولكن أيضاً من يساعد الآخرين على البقاء والعيش بكرامة، مع رؤية لتعزيز رفاهية جميع البشر.

تَعتبِر الجامعة البهائية العالمية الفقر عرضًا في نظام العلاقات الاقتصادية والاجتماعية — سواء في العائلة أو المجتمع أو الدولة أو العالم — يروج لمصلحة فئة صغيرة على حساب الأكثرية. لهذا يجب أن ترسخ جذور الطرق العلاجية لهذه المسألة المعقدة في نهج منظم يعالج بصورة مباشرة القيم الهدّامة والضارة التي تقود تصرفات البشر وأخلاقهم وقراراتهم. وعلى ضوء هذا المنظور، نتصوّر الفقر على أنه غياب للموارد المادية والاجتماعية والأخلاقية، فجميعها ضرورية لخلق ظروف تساعد على تنمية القدرات الأخلاقية والمادية والإبداعية للأفراد والمجتمعات المحلية والمؤسسات.

حقوق الإنسان

لكي يلعب جانب حقوق الإنسان دورًا فعالاً في تأسيس العدل كمبدأ منظّم للعلاقات الإنسانية، يجب أن يتحرر الإعلان عن حقوق الإنسان من الازدواجيات المزيّفة: إن مفهوم "الحقوق" لا يبرّر الفردانية المفرطة ولا يشيد بأن الدولة هي المصدر الوحيد لرخاء الإنسان. بل في الواقع، العلاقة بين الفرد والدولة هي علاقة أمانة. كل عضو من الجنس البشري يأتي إلى هذا العالم كأمانة على الكل، وذلك يتضمن العائلة والمجتمع والدولة والعالم. وهذه الأمانة هي التي تشكّل الأساس الأخلاقي لأغلب الحقوق الأخرى.(٥) من هذا المنطلق، فإن كامل عبء تخفيف حدّة الفقر لا يقع على أكتاف الدولة فقط، فجزء من المسئولية يتحمّلها الناس وعائلاتهم ومجتمعاتهم. وعندما تنشأ أوضاع الفقر وتستمر لأسباب اقتصادية وسياسية مختلفة، فإن القيم الإنسانية تساهم بدرجة متساوية في تفاقمها، ومنها تلك التي تتعلّق بالاندماج الثقافي، وحقوق المرأة، والتعليم، وحق الفرد في التقدم. وبالتالي فإن منهاج تخفيف حدة الفقر الذي يعتمد على حقوق الإنسان لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار مسئوليات جميع الأطراف المعنية في المجتمع.

قاعدة إرشادية جديدة: مساواة الرجل والمرأة

بينما تشمل القاعدة الإرشادية "أ. مشاركة الفقراء" جزءًا خاصًا بالنساء الفقيرات، إلا أن عدد النساء الزائد باطراد بين فقراء العالم، بمن فيهن المسنات؛ والاعتداء المتواصل على حقوق الفتيات والنساء؛ والشح الكبير في نسبة تمثيل المرأة في الحكم على جميع المستويات؛ كلها أمور تتطلب وضع مبدأ مستقل بعنوان: "مساواة الرجل والمرأة"، هدفه توجيه كافة جهود تخفيف حدّة الفقر. وهدف هذا المبدأ ليس مجرد لفت الأنظار إلى الحالة المزرية للمرأة، ولكن أيضاً لتذكير الدول بأن مشاركة المرأة الكاملة والواثقة في المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية والأكاديمية والاجتماعية والفنية إنما هي ضرورة ملحة لمسار تنمية أكثر عدالة وسلميّة. ومشاركة المرأة بدورها تفتح الفرص أمام الرجال والأولاد للتميز كآباء وأزواج وعمّال وأفراد مجتمع وقادة بطرق ليست موجودة في يومنا هذا.

الحق في التعليم والثقافة

لتقدم أي مجتمع، يجب أن يتمتع سكانه بحرية المعرفة والإبداع والاعتقاد. أولاً: علماً بأن المعرفة يمكنها توفير الوسائل اللازمة لتخفيف حدّة الفقر وتحقيق أهداف أخلاقية سامية من العدل والكرامة الإنسانية، يجب على الدولة العمل لضمان نشر وإعلاء وتطبيق المعرفة لتصبح بُعدًا هامًا في جميع جوانب الأنشطة الإنسانية. إن غياب التعليم يؤدي إلى استنزاف خطير للقدرة العقلية والإبداعية والأخلاقية التي يحتاجها البشر بشدة لإيجاد الحلول للمشاكل الراهنة. فقد علّق أحد المشاركين في المناقشات بالتالي: "... من يكتسب المعرفة يحظى بالقوة. لذلك يجب أولاً الاستثمار في التعليم حتى يحصل الجميع على المعرفة والقدرة على تحليل ما يجري حولهم من الأمور". ثانياً، يجب أن تكون الإنجازات الثقافية والعلمية التي يصل إليها البشر وتطبيقاتها في متناول الجميع. ثالثاً، يجب تأييد وحماية حرية الدين والعقيدة لأن حق اعتناق العقائد ومشاركتها مع الآخرين وتغييرها هو أساس بحث الفرد عن المعنى وهو أمر جوهري لحماية كرامته.

حق العمل

يجب أن يكون توفير العمل الهادف حجر أساس الجهود المبذولة لتخفيف حدّة الفقر. ولكن في نفس الوقت، لا يجب أن يكون هذا العمل مجرد وسيلة للحصول على البضائع الاستهلاكية المتوفرة أو وسيلة للإنفاق على المنتجات، لذا يجب إعادة النظر في معنى ودور العمل. فالعمل على أقل تقدير هو وسيلة لتقّدم وتنمية حرفة الفرد وتقوية شخصيته وتحقيق ذاته ومقدرته على خدمة الآخرين. ونجد اليوم أن الشباب مابين عمر ١٥ و ٢٥ يشكلّون حوالي نصف البالغين في ١٠٠ دولة ضعيفة اقتصاديًا (٦)، لذا يجب أن تؤخذ قدراتهم الإبداعية ومشاركتهم الفكرية والأخلاقية في رفاهية بلدهم في عين الاعتبار وتكون في صميم سياسة اتخاذ القرار.

ويوحي استمرار وجود الفقر المدقع مع استمرار نمو الثراء الفاحش في أجزاء من العالم، بأن المشكلة يجب أن تُعالج منهجياً: إن مسئولية جميع الأطراف— المجتمع الدولي، الحكومات، الأعمال، الإعلام، المجتمع المدني، العائلة والفرد — يجب أن تُحدد بوضوح. وحتى يصبح العدل هو المبدأ المنظِّم للحياة الجماعية، يجب أن تترسخ هذه المبادئ قانونيًا وأخلاقيًا على حد سواء: يجب مساعدة الدول ومحاسبتها فيما يتعلق بالجهود الذي تبذلها تجاه الفقراء، وفي الوقت نفسه يجب أن تترسخ القيم الأساسية على المستوى الشخصي حتى يصبح الدافع وراء سلوك الفرد حسّه بالمسئولية تجاه الآخرين وليس الخوف من عواقب خرق القانون.

الحواشي:
۱) مخطط تمهيدي للقواعد الإرشادية "الفقر المدقع وحقوق الإنسان: حقوق الفقراء" صفحة ٢٩-٣٨ (ملحق). تقرير اللجنة الفرعية لترويج حقوق الإنسان وحمايتهافي جلستها رقم 85. 11 سبتمبر ٢٠٠٦.   UN Document #A\HRC\2\2.
۲) قرار مجلس حقوق الإنسان ٢/٢. حقوق الإنسان والفقر المدقع. ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٦.
۳) البرازيل، كندا، فيجي، جيانا، تاهيتي، الهند، ناميبيا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة.
٤) مخطط تمهيدي للقواعد التي تعرّف معنى الفقر وهو "وضع إنساني من الحرمان المزمن من الموارد والمهارات والاختيارات والأمن والقوة المطلوبة حتى يتمتع الفرد بمستوى معيشي وحياة مدنية وثقافية واقتصادية وسياسية وحقوق اجتماعية" انظر ملحوظة رقم (١).
٥) أمن العائلة والبيت، وإحتياز ممتلكات وخصوصية إلتزام وأمانة في عنق المجتمع مع توفير العمل، والرعاية الصحية والعقلية والأمن الاجتماعي والعائد المادي العادل، والراحة والترفيه، ومجموعة من التوقعات المنتظرة من أفراد المجتمع.
٦) قسم التعداد السكاني بالأمم المتحدة، التعداد المتوقع لسكان العالم. مراجعة ٢٠٠٤ (نيويورك ٢٠٠٥).

 

النص الإنجليزي:

Guiding Principles on Extreme Poverty and Human Rights
BIC Document #07-0901
Category: Human Rights